في عام 2023، نشب نزاع استثماري بين مستثمر أجنبي وشركة شراكة محلية في دبي، بعدما تبيّن أن بعض بنود عقد الاستثمار لم تُنفذ كما اتُّفق عليها. وبفضل وجود شرط التحكيم ضمن العقد، لجأ الطرفان إلى مركز دبي للتحكيم الدولي لحل الخلاف بعيدًا عن المحاكم، مما أنقذ المشروع من تعقيدات قضائية طويلة.
مثل هذه الحالات تتكرر في بيئة الاستثمار المتنامية في دولة الإمارات، ما يجعل من التحكيم في منازعات عقود الاستثمار أداة قانونية أساسية لضمان الحماية الفعّالة لحقوق الأطراف.
في هذا المقال، نُسلّط الضوء على الإطار القانوني الذي يحكم التحكيم في منازعات الاستثمار، مع شرح شروط صحة اتفاق التحكيم، وسنعرض أمثلة عملية واقعية على منازعات استثمارية خضعت للتحكيم.
هل تواجه نزاعًا استثماريًا تواصل معنا عبر أرقامنا في صفحة اتصل بنا للحصول على استشارة من محامي مرخص.
جدول المحتويات
الإطار القانوني للتحكيم في منازعات الاستثمار في الإمارات
يستند التحكيم في منازعات عقود الاستثمار بدولة الإمارات إلى القانون الاتحادي رقم 6 لسنة 2018 بشأن التحكيم، وهو الإطار التشريعي الرئيسي لتنظيم إجراءات التحكيم داخل الدولة، وقد دخل حيز النفاذ بتاريخ 15 يونيو 2018، وتم تعديله مؤخرًا بموجب المرسوم الاتحادي رقم 15 لسنة 2023.
ينطبق هذا القانون على:
- جميع إجراءات التحكيم التي تُجرى داخل الإمارات، ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.
- التحكيم التجاري الدولي إذا اختار الأطراف تطبيق القانون الإماراتي.
- منازعات العقود الاستثمارية، سواء كانت محلية أو ذات طابع دولي، بشرط عدم تعارضها مع النظام العام.
- كما تُطبق قوانين خاصة بالتحكيم في بعض المناطق الحرة القضائية مثل محاكم مركز دبي المالي العالمي (DIFC) وسوق أبوظبي العالمي (ADGM)، التي تملك أنظمة مستقلة في هذا المجال.
وتعزز الإمارات منظومتها التحكيمية من خلال عضويتها في اتفاقية نيويورك لعام 1958، ما يُسهل تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية داخل الدولة، ويمنح المستثمرين مزيدًا من الأمان القانوني.
شروط صحة اتفاقية التحكيم في منازعات الاستثمار
لكي تكون اتفاقية التحكيم في منازعات عقود الاستثمار صحيحة وملزمة، يجب أن تستوفي الشروط المنصوص عليها في القانون الاتحادي رقم 6 لسنة 2018 بشأن التحكيم، وتحديدًا في المادتين 4 و7. وتتمثل أبرز هذه الشروط فيما يلي:
- وجود اتفاق مكتوب: يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا بوضوح، سواء في عقد الاستثمار ذاته أو في اتفاق منفصل، ويجوز أن يكون عبر تبادل رسائل إلكترونية أو توقيع رقمي معتمد.
- أهلية الأطراف: ينبغي أن يكون أطراف العقد من ذوي الأهلية القانونية لإبرام اتفاق التحكيم، سواء كانوا أفرادًا أو شركات. وإذا كان أحد الطرفين ممثلًا عن جهة، يجب أن يحمل تفويضًا رسميًا واضحًا.
- رضا الطرفين: يشترط أن يكون اتفاق التحكيم قائمًا على إرادة حرة دون إكراه أو غش أو استغلال، ويُراعى وضوح البند التحكيمي وعدم غموضه.
- قابلية النزاع للتحكيم: لا يجوز إحالة المنازعات المتعلقة بالنظام العام أو الجرائم أو حقوق لا يجوز التنازل عنها إلى التحكيم، مثل مسائل الجنسية أو بعض المنازعات الإدارية.
- تحديد نطاق النزاع: يُفضّل أن يحدد الاتفاق نوع المنازعات التي يشملها التحكيم، مثل “جميع النزاعات الناشئة عن هذا العقد” أو “منازعات تتعلق بتوزيع الأرباح أو الإنهاء المبكر للعقد”.
- اختيار مركز أو قواعد التحكيم: رغم عدم إلزامية تحديد مركز تحكيم، فإن الإشارة إلى مركز معتمد مثل DIAC أو ADCCAC تُساعد على تنظيم الإجراءات وتجنّب الخلافات الإجرائية.
تنبيه مهني: إذا خالف اتفاق التحكيم أحد هذه الشروط، فقد يُعد باطلًا أو غير قابل للتنفيذ أمام المحاكم الإماراتية، خاصة في حالات النزاع مع جهة حكومية أو ضمن مشاريع استراتيجية.
لذلك، يُنصح المستثمرون والشركات بمراجعة بند التحكيم مع محامٍ مختص قبل توقيع أي عقد استثماري، لتفادي الوقوع في ثغرات قانونية قد تعرقل اللجوء إلى التحكيم لاحقًا.
إجراءات التحكيم في منازعات عقود الاستثمار في الإمارات
تتّسم إجراءات التحكيم في منازعات الاستثمار بالمرونة والسرعة مقارنة بالقضاء العادي، ومع ذلك فهي تخضع لضوابط قانونية واضحة وردت في القانون الاتحادي رقم 6 لسنة 2018 بشأن التحكيم، وتُطبق معايير مختلفة بحسب مركز التحكيم المختار أو قواعد التحكيم المُتفق عليها. وفيما يلي أبرز مراحل هذه الإجراءات:
- تقديم طلب التحكيم: يبدأ التحكيم بتقديم أحد الأطراف طلبًا مكتوبًا إلى المركز التحكيمي أو هيئة التحكيم المختارة، يوضح فيه طبيعة النزاع، أطرافه، الاتفاق التحكيمي، والمطالبات القانونية والمالية.
- تشكيل هيئة التحكيم: يتم تعيين المحكم أو المحكمين وفقًا لما اتفق عليه الطرفان في العقد. وإذا لم يتفق الطرفان على عدد أو آلية التعيين، تتدخل الجهة الإدارية للمركز لتعيين المحكمين بحسب القواعد المعمول بها.
- الجلسات وتبادل المذكرات: تُعقد الجلسات التحكيمية حضورياً أو افتراضيًا، وتُمنح كل جهة فرصة لتقديم مذكراتها، مستنداتها، والشهود أو الخبراء إن لزم الأمر. وتلتزم الهيئة الحياد، وتُطبق القواعد الإجرائية المتفق عليها بين الأطراف.
- إصدار الحكم: تصدر هيئة التحكيم حكمها النهائي خلال المدة المحددة في اتفاق التحكيم أو وفق مهلة معقولة، ويجب أن يكون الحكم مسببًا وموقعًا من جميع المحكمين (أو الأغلبية مع بيان سبب غياب توقيع أحدهم إن وُجد).
- تنفيذ الحكم: بعد صدور الحكم، يمكن للطرف المحكوم له التقدّم بطلب إلى المحكمة المختصة للمصادقة على الحكم ومنحه صيغة التنفيذ. ولا يجوز تنفيذ الحكم إذا تم رفع دعوى بطلان ولا تزال منظورة، إلا إذا قررت المحكمة التنفيذ المؤقت.
تُعد هذه الإجراءات نموذجًا عمليًا لحل المنازعات الاستثمارية بكفاءة، لكنها تتطلب صياغة دقيقة لاتفاق التحكيم واختيار مركز متخصص يضمن حيادية وسرعة البت.
أمثلة واقعية على منازعات عقود الاستثمار المحكومة بالتحكيم
تُظهر التجربة العملية في دولة الإمارات أن التحكيم أصبح الوسيلة الأبرز لحل منازعات الاستثمار، خاصة في القطاعات العقارية، والمشاريع المشتركة، والامتيازات التجارية. فيما يلي أمثلة واقعية — مع تغيير التفاصيل لحماية الخصوصية — تُبرز كيفية تطبيق التحكيم في هذا النوع من النزاعات:
نزاع في مشروع تطوير عقاري بدبي
أبرم مستثمر أوروبي عقدًا لتمويل مشروع عقاري مع شركة تطوير محلية، تضمن شرطًا يُحيل النزاعات إلى مركز دبي للتحكيم الدولي (DIAC). بعد تأخّر الشركة في تسليم الوحدات وعدم الوفاء بنسبة الأرباح الموعودة، لجأ المستثمر إلى التحكيم. صدر حكم لصالحه بإلزام الشركة بالتعويض، وتم تنفيذ الحكم بموجب اتفاقية نيويورك أمام محاكم دبي.
خلاف بين شريكين في شركة استثمار صناعي بأبوظبي
تأسست شركة بين رجل أعمال إماراتي ومستثمر آسيوي لتصنيع معدات طبية. وقع خلاف بشأن توزيع الأرباح وزيادة رأس المال. نظرًا لتضمين العقد شرط تحكيم يُطبق قواعد مركز أبوظبي للتحكيم التجاري (ADCCAC)، أُحيل النزاع إلى التحكيم، وتم الفصل فيه خلال 8 أشهر فقط، دون حاجة للجوء إلى المحاكم.
تحكيم في نزاع امتياز تجاري (Franchise) في الشارقة
منحت شركة عالمية للوجبات السريعة حقوق الامتياز لمستثمر محلي. لاحقًا، نشأ نزاع بشأن شروط التجديد والرسوم الإضافية. لجأ الطرفان إلى التحكيم استنادًا إلى البند الموجود في عقد الامتياز، والذي اختار قواعد التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية (ICC). ورغم أن التحكيم جرى خارج الدولة، تم تنفيذ الحكم في الإمارات عبر إجراءات المصادقة الرسمية.
هذه النماذج تؤكد أهمية تضمين بند تحكيم محكم الصياغة في عقود الاستثمار، واختيار المركز والقواعد المناسبة منذ البداية، لتجنّب التعطيل عند نشوء النزاع.
الطعن في حكم التحكيم في منازعات عقود الاستثمار
رغم أن أحكام التحكيم تُعد نهائية وملزمة من حيث الأصل، إلا أن القانون الإماراتي يجيز الطعن في حكم التحكيم بطريق دعوى البطلان، وفق ضوابط صارمة حددها القانون الاتحادي رقم 6 لسنة 2018 بشأن التحكيم (المواد 53 إلى 55).
أبرز أسباب البطلان:
- غياب اتفاق تحكيم صحيح أو بطلانه لعيب في الرضا أو الشكل.
- عدم أهلية أحد الأطراف أو غياب التفويض الصحيح لممثله.
- إخلال بحق الدفاع كعدم تمكين أحد الأطراف من تقديم مستنداته أو دفوعه.
- مخالفة الحكم للنظام العام في الدولة أو تجاوزه لنطاق النزاع المحدد في الاتفاق.
المدة والإجراءات:
- يجب رفع دعوى البطلان خلال 30 يومًا من تاريخ إعلان الحكم للطرف المعني.
- تُنظر الدعوى أمام محكمة الاستئناف المختصة حسب مكان صدور الحكم أو تنفيذ الاتفاق.
ملاحظات هامة:
- لا يُقبل الطعن لمجرد الخطأ في تفسير القانون أو تقدير الوقائع.
- رفع دعوى البطلان لا يوقف تنفيذ الحكم تلقائيًا، ما لم تأمر المحكمة بذلك.
الأسئلة الشائعة حول التحكيم في منازعات عقود الاستثمار
يمثّل التحكيم في منازعات عقود الاستثمار وسيلة قانونية فعّالة للحل في الإمارات، تضمن السرعة والسرية والعدالة التعاقدية. ولكي يحقق التحكيم غايته، لا بد من صياغة اتفاق تحكيم سليم قانونًا، واختيار جهة التحكيم المناسبة، مع مراعاة الأهلية والتفويض ومبادئ العدالة.
هل تحتاج إلى مراجعة بند تحكيم أو تمثيل قانوني في نزاع استثماري؟ تواصل الآن عبر زر الواتساب أسفل الشاشة، وسيقوم أحد محامينا المرخصين في الإمارات بمساعدتك بخبرة واحتراف بالحصول على استشارات قانونية في الإمارات مختصة.
تنويه قانوني:
المعلومات الواردة لأغراض تثقيفية ولا تشكّل مشورة قانونية. للحصول على استشارة مخصّصة يُرجى التواصل مع محامٍ مرخّص في دولة الإمارات العربية المتحدة.
المصادر
- القانون الاتحادي رقم 6 لسنة 2018 بشأن التحكيم.
- المرسوم الاتحادي رقم 15 لسنة 2023 بتعديل بعض أحكام قانون التحكيم.
- محاكم مركز دبي المالي العالمي (DIFC Courts).
- مركز دبي للتحكيم الدولي (DIAC).
