في أحد الأحياء التجارية النشطة في إمارة دبي، نشب خلاف حاد بين مالك العقار وأحد المستأجرين بعد أن قرر الأخير إنهاء عقد الإيجار التجاري قبل انتهاء مدته. ومع تمسّك المؤجر ببنود العقد، وجد المستأجر نفسه مهددًا بدعوى قضائية ومطالبات مالية ضخمة. هذا السيناريو لا يُعد نادرًا، بل يتكرّر يوميًا في مختلف إمارات الدولة، ويطرح سؤالًا جوهريًا: متى يمكن فسخ عقد الايجار التجاري في الإمارات بشكل قانوني دون التعرّض للمساءلة؟
في هذا المقال، نُسلّط الضوء على حالات فسخ عقد الإيجار التجاري، والإجراءات القانونية اللازمة لذلك، إلى جانب أسباب بطلان العقد وفقًا لأحدث الأنظمة والتشريعات المعمول بها.
للحصول على استشارة قانونية دقيقة، يمكنك التواصل معنا عبر أرقامنا في صفحة اتصل بنا.
جدول المحتويات
ماذا يعني فسخ عقد الايجار التجاري؟
فسخ عقد الايجار التجاري هو الإجراء القانوني الذي يؤدي إلى إنهاء العلاقة التعاقدية بين المؤجر والمستأجر قبل انتهاء المدة المتفق عليها، نتيجة إخلال أحد الطرفين بشروط العقد أو لظروف قانونية محددة. ويُعد الفسخ من أبرز الحلول التي يقرّها القانون لحماية الطرف المتضرر عند حدوث نزاع أو إخلال جسيم يخلّ بتوازن العلاقة التعاقدية.
ويختلف الفسخ عن انتهاء العقد تلقائيًا بانقضاء مدته أو بطلان العقد من الأساس، إذ يفترض الفسخ وجود عقد صحيح وسارٍ ثم طرأ سبب قانوني يبرر إنهاءه.
وقد نص قانون فسخ عقد الإيجار في الإمارات على آليات وضوابط فسخ العقود التجارية، سواء باتفاق الطرفين أو بموجب حكم قضائي صادر عن مركز فض المنازعات الإيجارية أو المحكمة المختصة، حسب الإمارة.
حالات فسخ عقد الايجار التجاري في الإمارات
تتعدد الأسباب التي تتيح للمؤجر أو المستأجر طلب فسخ العقد، ويمكن تلخيص أبرز حالات الفسخ المعترف بها قانونًا كما يلي:
- الإخلال بشروط العقد الجوهرية: مثل تأخير المستأجر في دفع الإيجار أو استخدام العقار في غير النشاط المتفق عليه.
- مخالفة القانون أو النظام العام: كاستعمال المحل لأغراض غير مشروعة أو دون ترخيص تجاري.
- هدم العقار أو الحاجة لإعادة بنائه: وهي حالة خاصة ينص عليها القانون رقم 26 لسنة 2007 في دبي، شرط إخطار المستأجر قبل 12 شهرًا.
- اتفاق الطرفين على الفسخ: يجوز إنهاء العقد بالتراضي دون الحاجة إلى تدخل قضائي، إذا تم التوثيق القانوني لذلك.
- الظروف القاهرة أو الاستثنائية: مثل الكوارث أو القرارات الحكومية التي تحول دون استغلال العقار بشكل طبيعي، وتقدَّر بحسب كل حالة.
- عدم تسجيل العقد لدى الجهة المختصة: في بعض الإمارات، قد يعتبر العقد باطلاً أو قابلًا للفسخ إن لم يُسجّل لدى البلدية أو الدائرة العقارية المعنية.
من المهم ملاحظة أن القانون لا يمنح أي طرف حق الفسخ المطلق، بل يشترط وجود مبرر قانوني واضح، واتباع الإجراءات المحددة نظامًا، وإلا تعرّض الطرف الفاسخ للمسؤولية والتعويض.
إجراءات فسخ عقد الايجار التجاري في الإمارات
رغم أن القانون الإماراتي يقرّ بحق المؤجر أو المستأجر في فسخ عقد الإيجار التجاري ضمن حالات محددة، إلا أن ممارسة هذا الحق يتطلب اتباع إجراءات قانونية دقيقة، تختلف جزئيًا من إمارة إلى أخرى، لكنها تخضع عمومًا لهيكل قانوني منضبط يضمن عدم تعسّف أي طرف. إليك أبرز الخطوات المتبعة:
- مراجعة بنود العقد المبرم:
قبل اتخاذ أي إجراء، يجب مراجعة الشروط التعاقدية المتعلقة بالفسخ أو الإنهاء المبكر، بما في ذلك مدة الإشعار المطلوبة، والجزاءات المترتبة، وأي شرط جزائي خاص. - توجيه إنذار قانوني أو إشعار رسمي:
يجب إرسال إشعار كتابي موثّق (عادة عبر كاتب العدل أو بريد مسجّل) إلى الطرف الآخر يُبلغه فيه بالرغبة في الفسخ، مع بيان الأسباب القانونية. في دبي مثلًا، يُشترط أحيانًا إشعار المستأجر قبل 12 شهرًا في حالات الهدم أو الترميم (المادة 25، القانون رقم 26 لسنة 2007، المعدل بالقانون رقم 33 لسنة 2008). - اللجوء إلى مركز فض المنازعات الإيجارية أو المحكمة المختصة: إذا لم يتجاوب الطرف الآخر، يُرفع النزاع إلى الجهة المختصة، مثل:
- مركز فض المنازعات الإيجارية في دبي
- أو الدوائر القضائية المختصة في أبوظبي أو الشارقة أو غيرها.
يجب إرفاق المستندات الداعمة مثل: العقد الأصلي، الإشعارات، إثبات الإخلال، الرخصة التجارية، سند الملكية.
- طلب الفسخ القضائي أو الإلزام بالإخلاء:
إذا ثبت الإخلال من أحد الأطراف، يجوز للقاضي أن يُصدر حكمًا بفسخ العقد وإلزام الطرف المخلّ بالتعويض، أو بتمديد العقد في حالات أخرى، بحسب تقدير المحكمة. - تنفيذ الحكم عبر الجهات المختصة:
بعد صدور الحكم، يتم تنفيذه عن طريق الجهة القضائية أو مركز التنفيذ التابع للإمارة، ويجري إخلاء العقار أو تحصيل المستحقات وفقًا للإجراءات التنفيذية.
ملاحظة مهمة:
قد يؤدي أي تصرف أحادي بفسخ العقد دون اتباع هذه الإجراءات إلى تحميل الطرف الفاسخ مسؤولية قانونية وتعويضات مالية للطرف المتضرر.
أسباب بطلان عقد الإيجار التجاري في الإمارات
رغم أن الأصل في العقود هو الصحة واللزوم، إلا أن هناك حالات معينة تؤدي إلى بطلان عقد الإيجار التجاري في الإمارات، أي اعتباره كأن لم يكن من الناحية القانونية. ويترتب على البطلان زوال جميع الآثار الناتجة عن العقد، بما في ذلك الالتزامات المتبادلة بين المؤجر والمستأجر. وتستند أسباب البطلان إلى نصوص قانون المعاملات المدنية الاتحادي رقم 5 لسنة 1985 وتعديلاته، وكذلك القوانين المحلية لكل إمارة إن وُجدت.
أبرز أسباب بطلان العقد:
- انعدام الأهلية القانونية: إذا ثبت أن أحد أطراف العقد فاقد الأهلية القانونية عند توقيع العقد، مثل القصر أو المحجور عليهم، دون وجود ولي أو وكيل قانوني.
- مخالفة النظام العام أو الآداب العامة: كأن يكون محل الإيجار مخصصًا لنشاط غير قانوني، أو يُستخدم لأغراض تتعارض مع التشريعات الإماراتية أو القيم المجتمعية.
- عدم تحديد محل العقد بوضوح: إذا لم يُذكر وصف دقيق للمحل المؤجّر (مثلاً: موقع العقار، رقمه، المساحة، نوع النشاط)، ما يجعل العقد غامضًا وغير قابل للتنفيذ.
- انعدام الرضا بسبب الغش أو الإكراه أو التدليس: إذا تبيّن أن أحد الطرفين وقّع على العقد نتيجة خداع أو ضغط غير مشروع، كإخفاء عيوب جوهرية في العقار.
- انعدام المقابل المالي أو عدم مشروعية المقابل: يجب أن يكون بدل الإيجار محددًا أو قابلاً للتحديد. فإذا خلا العقد من المقابل أو تضمّن أجرة رمزية غير جدية، اعتُبر باطلًا.
- عدم تسجيل العقد لدى الجهة المختصة (في بعض الإمارات): مثلًا، في إمارة دبي، لا يُعترف قانونًا بالعقد غير المسجّل في نظام “إيجاري”، ما قد يؤثر على حجيته ويؤدي إلى رفض النزاع شكلاً.
- تزوير أو انتحال صفة: إذا ثبت أن العقد تم توقيعه باسم شخص غير حقيقي أو بوكالة مزورة، يُعد باطلًا لانتفاء ركن الرضا أو التمثيل القانوني.
معلومة قانونية:
البطلان لا يتطلب إثبات ضرر، بخلاف الفسخ. ويجوز لطرفي العقد أو للنيابة العامة (في بعض الحالات) الدفع بالبطلان متى توافرت أسبابه.
السوابق القضائية في فسخ عقود الإيجار التجارية
أظهرت الأحكام القضائية في دولة الإمارات توجهًا واضحًا نحو تطبيق شروط العقد ما لم تُخالف النظام العام، مع مراعاة الظروف الاستثنائية التي قد تُبرر الفسخ العادل.
في قضية أمام مركز فض المنازعات الإيجارية في دبي، قضت الهيئة بفسخ عقد إيجار تجاري دون غرامة بسبب إنهاء عمل المستأجر، باعتباره ظرفًا استثنائيًا يفوق القدرة على الوفاء بالعقد.
خلاصة:
- العقود المحكمة تُقلّل النزاعات.
- الفسخ جائز قانونًا إذا وُجد مبرر أو نص صريح.
- الظرف الطارئ قد يُعفي من الالتزامات، شرط الإثبات.
نصائح قانونية قبل فسخ عقد الايجار التجاري في الإمارات
قبل الإقدام على فسخ عقد الإيجار التجاري في الإمارات، من الضروري اتخاذ خطوات وقائية تضمن سلامة الموقف القانوني وتُجنّب الأطراف المخاطر المالية أو القضائية. إليك أبرز النصائح التي يقدمها المحامون المتخصصون في العقود العقارية:
- مراجعة دقيقة لبنود العقد: تأكد من وجود بند يُجيز الفسخ المبكر، وراجع شروط الإشعار ومدد الإنذار والتعويضات، خصوصًا في العقود طويلة الأجل.
- توثيق الإخلال أو المبرر: اجمع الأدلة التي تُثبت سبب الفسخ، سواء كان تأخيرًا في السداد، تغييرًا في النشاط، ظروفًا قاهرة أو غيرها من المبررات المقبولة قانونًا.
- الالتزام بالإشعار القانوني: وجّه إنذارًا كتابيًا موثّقًا للطرف الآخر، يُفصّل أسباب الفسخ ويمهله مدة لتصحيح الوضع (عادة 30 يومًا)، وفق المتطلبات القانونية.
- التشاور مع محامٍ مختص: قبل اتخاذ أي إجراء، اطلب استشارة مرخص لقراءة العقد وتقييم الوضع قانونيًا، خاصةً إذا تضمن العقد بنودًا جزائية أو شروطًا مركبة.
- تجنّب الفسخ التعسفي: الفسخ غير المبرر أو العشوائي قد يُعرّضك لدعوى تعويض أو تنفيذ جبري. الأفضل دائمًا اللجوء إلى الطرق القانونية والمؤسسية.
نصيحة احترافية:
لا تعتمد على التقدير الشخصي أو الاتفاقات الشفوية عند فسخ عقد تجاري؛ العقود والإشعارات الرسمية وحدها هي التي تحميك قانونًا.
الأسئلة الشائعة حول فسخ عقد الايجار التجاري في الإمارات
وختامًا يتطلب فسخ عقد الايجار التجاري في الإمارات فهمًا دقيقًا للشروط التعاقدية، والإجراءات القانونية، والنصوص المنظمة في كل إمارة. وقد استعرضنا أهم الحالات القانونية، أسباب البطلان، والضوابط التي تحكم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.
للتواصل مع محامٍ مختص في عقود الإيجار التجارية، استخدم زر الواتساب أسفل الشاشة لحجز استشارات قانونية في الإمارات موثوقة.
تنويه: المعلومات الواردة لأغراض تثقيفية فقط ولا تُعد بديلاً عن الاستشارة القانونية من محامٍ مرخص في دولة الإمارات.
المصادر
- قانون المعاملات المدنية الاتحادي رقم 5 لسنة 1985 وتعديلاته.
- قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر في دبي رقم 26 لسنة 2007 والمعدل بالقانون رقم 33 لسنة 2008.
- بوابة التشريعات الإماراتية.
